بقلم : عريب الرنتاوي
أن تعجز بعض الشخصيات أو الأحزاب السياسية عن خوض غمار المنافسة الانتخابية، بعد فشلها في تشكيل قوائم انتخابية، والاستجابة لمتطلبات القانون، فهذا أمرٌ مفهوم، بعد ربع قرن من العمل بقانون “الصوت الواحد”، وما أحدثه من تداعيات، أهمها على الإطلاق، تجريف الطبقة السياسية وتجويفها.
لكن أن يأخذ العجز شكل “قرار بمقاطعة الانتخابات”، فذلك ضرب من المزايدة السياسية، لا يليق بهذه الأحزاب ولا ينسجم مع السيرة الذاتية لتلك الشخصيات ... الأفضل والأكرم، أن يجري الانسحاب من العملية الانتخابية بصمت، تماماً مثلما فعل آخرون، أدركوا مبكراً أن الحملة الانتخابية هذه المرة، تختلف عن سابقتها، وتحتاج لجهد وأدوات ربما لا قبل لهم فيها أو عليها.
وتزداد الصورة تشوشاً وتشويهاً، عندما تصدر دعوات المقاطعة عن أحزاب وشخصيات، سبق لها وأن هللت وكبرت للقانون الجديد، واعتبرته “فتحاً” في الطريق إلى الإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي، وخطوة واثقة على طريق “الحكومات البرلمانية”، حتى أن بعضها تنادى مبكراً لخوض غمار المنافسة، لقطع الطريق على محاولات بعض القوى “الإيديولوجية” والمعارضة، المشكوك بولائها بالطبع، لتأمين “الثلث المعطل” في البرلمان الثامن عشر ... فذاكرة الأردنيين، لم تهرم بعد، والمؤكد أنهم ما زالوا يختزنون فيها، مواقف وبيانات تقول بخلاف ما يتردد اليوم، علناً وهمساً.
ربما أن البعض منّا، استسهل في البدء، أمر المشاركة وتشكيل القوائم، خصوصاً أولئك الذي خبروا تجربة القوائم الوطنية في انتخابات 2013، يوم كان بالإمكان الرهان على تجميع الأصوات من مختلف الدوائر، وصولاً للمقعد النيابي، وبالاعتماد أساساً على نظام “أعلى البواقي” ... الصورة هذه المرة أشد تعقيداً على هؤلاء، فالمنافسة تدور على مستوى الدائرة أو المحافظة، ومن ليس له نفوذ وازن على هذا النطاق، ستكون فرصة في النجاح، ضئيلة للغاية.
وربما أن البعض منّا، راهن كذلك على مأزق الحركة الإسلامية واحتمال مقاطعة الإخوان المسلمين للانتخابات ... لكن قرار الحركة المشاركة، ودخولها المعترك الانتخابي بـ “دعسة كاملة”، ربما يكون قد صعّب مهمة هؤلاء، وجعل احتمالات فوزهم ضعيفة للغاية، لذا قد يؤثرن الانسحاب من المنافسة، ولكن من الأفضل لهم وللجميع، وضع المسألة في نصابها، من دون ضجيج مفتعل حول المقاطعة والاحتجاج، فالعملية الانتخابية صارت في مراحلها الأخيرة.
ننظر بعين القلق، لما يقال سراً وعلانية، عن أرقام فلكية يجري رصدها لتمويل الحملات الانتخابية ... هذه المرة، مثل سابقتها، سيتعين على كثير من المرشحين أن “يشتروا” مرشحين ينضمون لقوائمهم، توطئة للشروع في أصوات الناخبين ... الطبقة الوسطى لا فرصة لها في مضامير المنافسة، وحدهم المستندون إلى حزب قوي أو عشيرة كبرى أو رصيد لا ينضب في المصارف، هم القادرون على الذهاب في السباق حتى خط النهاية.
وننظر بكثير من الأسف لإخفاق اليسار في ترتيب قوائمه المشتركة وخوض غمار المنافسة في جبهة متحدة ... مثل هذا الخيار، حتى وإن لم يفض إلى وصول نواب يساريين للبرلمان، يظل أفضل بكثير من خوض غمار المنافسة تحت مظلة “المال السياسي”، مع عمق إدراكنا لحاجة الأحزاب للمال لتمويل الحملات الانتخابية ... الفشل على قائمة يسارية، أفضل من النجاح، بقائمة “الزي الموحد”، الذي يبدو أنه القاسم المشترك بين أعضائها ومكوناتها.
الانتخابات المقبلة، ستكشف المستور في الحالة الحزبية الأردنية، فسيكون متاحاً للأردنيين التعرف عن كثب، على توجهات وأحجام وتحالفات وخبرات أحزابهم السياسية، وسيكون متاحاً للأحزاب ذاتها أن تتوقف أمام تجربتها، فلا تبقى مندفعة بالاتجاه ذاته، وكأن شيئاً لم يكن ... فالمفروض أن نرى أحزاباً تنحل وأخرى تنشأ، وأن نرى إعادة فك وتركيب للأحزاب السياسية، اندماجات واستقالات ... من المفروض أن يسارع أمناء عامون لتقديم استقالاتهم بسبب الفشل في خوض غمار المنافسة، وترك القيادة لمن يرتضيه الحزب بإرادته الطوعية.
أرسل تعليقك