بقلم : عريب الرنتاوي
أن تمتنع قوى وشخصيات عن المشاركة في الانتخابات، فهذا أمرٌ مفهوم ابتداءً، بصرف النظر عن مبررات هذا الموقف أو درجة صحته ... وأن تنسحب قوى وشخصيات من العملية الانتخابية، لضيق ذات اليد أو لعجزها مجاراة “المال السياسي” ودفاتر شيكاته السميكة، أو لإخفاقٍ في تشكيل قوائم انتخابية وفق مقتضيات القانون الجديد، فهذا أمر مفهوم أيضاً، بصرف النظر عن المغزى والدلالات التي تستبطنها مواقف كهذه ... عن هؤلاء لن نتحدث في هذه المقالة، وسننتقل للحديث عند “ملل ونحل” المنسحبين من الانتخابات الذين تتكاثر أعدادهم، كلما اقتربنا من موعد دفع رسوم الترشيح وتسجيل القوائم.
الباحثون عن شهرة ودعاية مجانية، يبادرون إلى تسويق أسمائهم وإدراجها في بورصة الترشيحات ... تتناقل أسماؤهم وصورهم المواقع الالكترونية، ويجري التداول بأسمائهم في المجالس والمناسبات الاجتماعية، بصورة تشعرهم بقدر من الرضا وبأنهم على قدر رفيع من الأهمية، وأنهم مؤهلون للانضمام إلى نادي النخبة السياسية، أقله لعدة أسابيع، يتقمصون خلالها، لا دور المرشح الذي يجهد في جمع الأصوات وحشد التأييد فحسب، بل ودور النائب الذي يوزع الوعود والتعهدات يمنة ويسرة.
الكثرة الكاثرة من هؤلاء، لا يصلون إلى مرحلة دفع الرسوم، أما بعضهم (الفئة الثانية) ممن ينجح في لفت انتباه بعض الأقطاب أو المتمولين إليه، في إطار البحث عمّا بات يعرف “مرشحو الحشوة”، فسيجد من يدفع عنه رسوم التسجيل، وربما طباعة بعض الصور والملصقات الخاصة به ... هؤلاء هم المحظوظون، أما غيرهم من أبناء هذه الفئة، فيندمجون في “ماكينات” القوائم الأخرى، او يتولون الترويج لها بخطاب إعلامي متهافت، لن يصعب على أحد معرفة أنه “إعلان مدفوع الأجر”.
هناك فئة ثالثة، أكثر ذكاءً، تقدم نفسها على هيئة استطلاعات عامة للرأي، وتقترح إجراء حوار حول “الضرورة التاريخية” لنزول هذا أو تلك إلى معترك الانتخابات وتجشم عنائها ... يندر أن تنتهي هذه الاستطلاعات بدعم اقتراح المشاركة، وغالباً ما تنتهي بإعلان النية بالانسحاب أو العزم على العزوف ... من يريد المشاركة فعلياً في الانتخابات، يشرع قبل بدء الموسم الانتخابي بإجراء مشاوراته الضرورية، وغالباً بصمت ومن دون ضجيج، أما من يريدون التذكير بأنفسهم وتجديد حضورهم وتلميع صورهم، فيبدؤون مشاوراتهم عادة، مع انطلاق الموسم وبدء التغطية الإعلامية ... رغم أن “العليق عند الغارة” لا يسمن ولا يغني من جوع، كما يقول المثل الأردني المعروف.
ذات يوم زارني أحدهم في مكتبي، وقدم نفسه إلي بتوسع قبل ان يستل من جيب جاكيته الداخلي، بطاقته تعريفية ملونة، تحمل اسمه وصفته ... لقد نسيت الاسم صبيحة اليوم التالي، بيد أنني لن أنسى الصفة: مرشح سابق ... ذُهلت من جرأته وتهافته ... أفهم أن يقال نائب سابق، وأن توضع في “السي في” وعلى البطاقة، لكنني لم أفهم على الإطلاق لقب أو “تايتل” مرشح سابق ... يبدو أن بعض المنسحبين من انتخابات 2016، ينتوي طباعة بطاقات تعريفية من هذا النوع، عملاً بقاعدة جديدة في العمل السياسي (على ما يبدو) تقول: إن لم تستطع الوصول إلى العبدلي، فلا أقل من إشهار “تذكرة الباص” الذي كان يمكنه أن يوصلك إليه، لو أنك اخترت “الخط” الصحيح وامتطيت الحافلة الصحيحة وفي الوقت الصحيح.
على أية حال، ليس الأردن نسيجا وحده لجهة بروز ظواهر كهذه ... بل وأكاد أجزم بأن لا انتخابات من دون “صرعات” من هذا النوع، عندنا أو عند غيرها، ولكن بأشكال وطرائق مختلفة بالطبع ... ويمكن القول، إن ظواهر من هذا النوع، لا تؤخذ على محمل الجد، ولا تحتسب في قائمة “العزوف” ولا تدخل في حسابات “المقاطعة والمقاطعين” ... لكنها مع ذلك تعطي الانتخابات نكهة إضافية، تخفف من تجهم الوجوه وانكماش عضلاتها.
أرسل تعليقك