بقلم _ علي الرز
فى الشركات والكيانات التجارية الكبرى والعملاقة، يتقاضى المدير التنفيذى الناجح راتباً أساسياً مربوطاً بسلسلة مزايا، منها المكافأة السنوية (بونص)، وزيادات تتعلّق بتحقيق الأهداف وتكبير المَبيعات والترويج والتسويق وحجْم الانتشار، إضافة إلى سلسلة بدلاتٍ مثل السفر والتمثيل والضيافة والمناطق النائية والمَخاطر والسهر ليلاً ومواصلة الدوام.
شركاتٌ بعيْنها تضع موازنةً خاصة فى تَصرُّف المدير تحت بند «مصاريف سرّية»، كى لا تَدْخل فى النظام الرقابى لأوْجه الصرف، وهى مخصصةٌ مثلاً لتمويل حملةٍ إعلاميةٍ من تحت الطاولة بغية ضرْب مُنْتَجٍ معيّن أَطْلَقَتْه شركةٌ مُنافِسة، أو لدفْع رشاوى لمسؤولين فى أجهزةٍ معيّنة لتمريرِ صفقةٍ أو ترسيةِ مناقصةٍ، أو لشراءِ ولاءاتِ مديرين وعناصر فى شركاتٍ أخرى لمعرفة سياساتها الإنتاجية والتسويقية، أو- كما حصل فى إيطاليا وبعض دول أمريكا اللاتينية- دعْم مافيات وعصابات مُنَظَّمة، بهدف تخويف المُنافِسين ورجال كبار فى السلطة من وزراء وقضاة وضبّاط بأن التعرّض لبعض التجاوزات قد يكون ثمنُه الاغتيال أو التهميش.
إذا قلبْنا الطبيعة التجارية، وتحدّثنا عن الكيانات السياسية والأمنية الكبرى والعملاقة، وتوقّفْنا عند ما أُعلن من تقاضى قائد، (مدير تنفيذى)، فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى، قاسم سليمانى، 1250 دولاراً فى الشهر راتباً أساسياً، نلحظ أن استهجان الرقم لدى العامة فيه شىءٌ من التَسرُّع والسطحية، ويمكن للمقرّبين من الرجل أن يثبتوا ببساطةٍ شديدة صدقية الراتب، مشفوعاً بورقٍ رسمى من الهيئات المالية المختصة.
وبما أن إيران كيانٌ عملاق يريد التوسّع إقليمياً وحصْد الأرقام الصعبة عالمياً، كان لابدّ من مزايا وبدلات تُرافق رواتب قادتها، وأهمّهم «سليمانى»، الذى يتولى عملية ترويج المُنْتَج العقائدى والسياسى والفكرى والثورى والأمنى عبر إدارته التنفيذية لفيلق القدس، وهو المؤسسة التى تتولى ظاهرياً دعم المُسْتَضْعَفين فى كل العالم وعملياً توسيع الإمبراطورية فى كل الاتجاهات الإقليمية، بحيث تكون لها السيطرة الكبرى على أسواق السياسة وساحات الأمن عبر إنهاء المُنافسين وإنهاكهم والتفاوض مع الدول الكبرى من موقع القادر المتمكّن.
ولا شك فى أن «سليمانى»، الذى مُنح رتبة فريق بدل لواء، يَعتبر الترقية الحقيقية تسمية المرشد على خامنئى له «الشهيد الحىّ»، فهذه دونها أثمانُ وبدلاتُ ومزايا الدنيا كلها، لأنها جمعتْ بين الجنة والأرض، إنما بعيداً عن ذلك، فالمنطق يقول إن أساس راتب الرجل لا يمكن فصْله عن البدلات والمزايا، التى استحقّها بحُكْم عمله على رأس الفيلق طوال 20 عاماً، فهذه القوة- التى بدأتْ بمئات العناصر، وكان مدارها محصوراً فى العراق بدايةً وتنفيذ عمليات انتحارية ضدّ مصالح أمريكية وإسرائيلية- صارتْ جيشاً كاملاً يضمّ عشرات وربما مئات الآلاف من أفغانستان إلى غزة، فيما يتجاوز مدارُ عملها الفعلى هذه المساحة إلى الخليج وأفريقيا وأوروبا والأمريكتين.. فبدَلات التوسع والانتشار أرقامُها فلكية، خصوصاً أن العمل انتقل من المحلّى إلى القارى فى أقلّ من عقديْن.
هذا «البونص» ليس كل شىء، فالرجل حقّق من الأهداف الموضوعة فى بند المزايا ما لم تكن إيران نفسها تتوقّعه. انتقل من السيطرة على المناطق والأحياء إلى السيطرة على الدول نفسها مثل العراق وسوريا ولبنان وغزة، ومازال يحاول فى اليمن والبحرين. فتحَ «أسواقاً» جديدة بضمّ مقاتلين من أفغانستان وبنجلاديش وباكستان وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، مُغْرِقاً العراق وسوريا بهم، مع تدوير الوظائف والمهمات لكسْب الخبرات مثل إرسال مقاتلى «حزب الله» إلى العراق وإرسال عراقيين إلى سوريا.
لم تَشْهد إيران فى تاريخها ترويجاً لـ«مُنْتَجِها» بإدارةٍ تنفيذية كالتى يقودها «سليمانى». زادَ «المبيعات» عبر حملةِ تسويقٍ غير مسبوقة مربوطة فوراً بالتهديد والتهديم والدم. رجلٌ لا يؤمن بقيَم المنافَسة ولا حتى بالتعاون. يَقْبل فقط بالانصياع وتنفيذ الأوامر. بدلات الخطر والسفر والسهر ومواصلة الدوام مستمرّة لديه على مدار العام، لأن موقعه يفرض عليه البقاء الدائم خلف المتاريس لا الكواليس، وبدلات التمثيل واضحة مع سقوط القرى والمدن وضحايا الصواريخ والطائرات، وبدلات الضيافة تتعاظم مع فتْح الصدور قبل البيوت للفاطميين والزينبيين والعصائب وكتائب أبوالفضل العباس والنجباء والخراسانى و«حزب الله» والحوثيين، وبدلات المناطق النائية تُدفع مُقَدَّماً كونها- بوصوله- لم تعد تنأى بنفسها عن إيران.
أما بند المصاريف السرية، وهو ما يقول المُنْتَفِضون الإيرانيون عنه إنه بمليارات الدولارات، فقد استَخْدَمَه الرجل على أكمل وجه. تمويلُ حملاتٍ إعلامية للتشهير بالآخرين والطعْنِ فى ذممهم الوطنية وإلصاق تهمِ العمالة بهم أو دعْم التكفيريين. دفْعُ رشاوى مالية وسياسية لمسؤولين بغية تمرير مشروعٍ سياسىّ ما أو ترسية مناقَصة «تَوافُقية» على طرفيْن. شراءُ ولاءاتٍ من مختلف المذاهب والتيارات مقابل دورٍ أو نفوذ. استقطابُ مطبّلين ومهلّلين وملمّعين لمحور الممانعة، دعْمُ تنظيمات وأحزاب وميليشيات ومافيات وعصابات منظّمة بهدف تصفية معارضين وتخويف رجال كبار فى السلطة.
فى حِسبةٍ بسيطة، تدمير نصف العراق، زائد تدمير كل سوريا، زائد احتلال قرار لبنان وغزة، زائد مأساة اليمن، زائد المساهمة الرئيسية فى «دوْزنة»، إطلاق وُحوش «القاعدة» و«النصرة» و«داعش» إلى ساحات الاعتراض لتغيير هوية المعارك، زائد التفجيرات هنا وهناك، زائد عمليات الاغتيال، زائد نصف مليون شهيد سورى وملايين الجرحى والمُهجَّرين، زائد تأسيس بيئةٍ ممانِعة طائفية فى عددٍ من دول آسيا قد تنفجر قنابلها قريباً.. تصبح زيادات الرجل وبدلاته والبونص السنوى بحجْم موازنة دولة، ولذلك على الجميع أن يصدّقوا أن أساس راتبه هو 1250 دولاراً.
أرسل تعليقك