آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

فرنسا: صراع «الثورة» مع «الإصلاح»!!

اليمن اليوم-

فرنسا صراع «الثورة» مع «الإصلاح»

بقلم - عماد الدين أديب

لماذا تفشل الثورات وينجح الإصلاح؟ لماذا كل انتفاضة شعبية صادقة ونبيلة تمت سرقتها، وتم اختطاف أهدافها، وتزوير نتائجها لصالح قوى تنتمى -أساساً- للثورة المضادة؟!

لماذا تنقلب الثورة على ثوارها؟ وتأكل الثورة أبطالها؟ ويحدث الهدم ولا يحدث البناء؟ وتسقط الرموز ولا تسقط الأنظمة؟ ويتبدل الرجال ولكن لا تتبدل قيم المجتمع؟

ماذا يحدث حينما يثور الناس ضد الإصلاح؟ وكيف نفسر أن يرفض الثوار أن يأخذ المريض المحتضر الدواء المر الذى يجب أن يتجرعه حتى يُشفى مما يعانيه؟

إذا أردت أن تفهم كل هذه القصة وترى بنفسك مأساة «خيبات الأمل الكبرى» التى تحيط بالثوار الذين تُسرق منهم ثورتهم ويختطفها أقصى اليمين وأقصى اليسار ويندس داخل حركتها السلمية الغوغاء واللصوص والمخربون والبلطجية، انظر إلى ما يحدث الآن فى فرنسا.

تاريخ فرنسا مع الثورات والانتفاضات الشعبية هو تاريخ دفع فواتير باهظة لأهداف لا تتحقق بل تنتهى بنتائج عكسية وسلبية.

فى الخامس من مايو 1789 قامت ثورة الشعب الفرنسى الشهيرة التى أسست لمبادئ «الحرية، الإخاء، المساواة»، لكنها استمرت، ولسنوات طويلة، تضع رؤوس المعارضين تحت المقصلة، وتملأ السجون والمعتقلات بالطبقات والقوى المخالفة لهوى الشارع، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من البشر.

ورغم أن تلك الثورة أطاحت بالملكية، فإن الجماهير التى هتفت بسقوط الملكية هى التى طالبت بتنصيب «الجنرال» نابليون إمبراطوراً على البلاد والعباد.

ومنذ 22 سبتمبر 1792، أى تاريخ تأسيس الجمهورية الفرنسية الأولى، والبلاد تعيش على مدار خمس جمهوريات حالة من التناقض بين «فكر ومبادئ وأنظمة وهياكل» شعبوية تدغدغ مشاعر الجماهير، لكنها فى الوقت ذاته مضطرة إلى انتهاج سياسات واقعية براجماتية غير قادرة على دفع الفاتورة الباهظة لدولة الرعاية الاجتماعية والمكتسبات الاشتراكية.

حتى أقصى اليمين التابع للسيدة «لوبين» يستمتع بمزايا الرعاية الاجتماعية الاشتراكية على مستوى الحياة اليومية لكنه يتظاهر من أجل سياسات اجتماعية وشعارات يمينية تؤمن بالاقتصاد الحر وتعادى المهاجرين وتسعى للتميز الطبقى والعرقى والعنصرى.

فرنسا اليوم فى مشهد متكرر للورطة التاريخية ذاتها بين «ما تريده وما عليها أن تدفعه»، إنه شعب يريد الإصلاح ولكن لا يرغب فى أن يتنازل عن أى مكسب سابق حصل عليه ولا أن يسدد أى فاتورة للإصلاح.

اختار إيمانويل ماكرون أن يكون الطبيب الماهر الذى يداوى أمراضه المتراكمة لكنه الآن يرفض أن يتناول الدواء المر الذى يتعين عليه أن يتجرعه.

معضلة الاقتصاد الفرنسى صريحة وواضحة فهى باختصار تعبير رقمى عن شعب يستهلك أكثر مما ينتج، ويحصل على فاتورة رعاية اجتماعية أضعاف أضعاف ناتج دخله القومى.

فى هذه الحالات، الحقيقة الواضحة هى إما مضاعفة الدخل أو تخفيض فاتورة الامتيازات التى توفرها الدولة أو رفع المداخيل السيادية مثل الضرائب والجمارك والرسوم بكل أشكالها.

وما قام به الرئيس ماكرون هو «كوكتيل» ما بين تحفيز الاستثمار، ورفع الضرائب والرسوم، وتخفيف الامتيازات الحكومية.

يبلغ تعداد سكان فرنسا قرابة الـ70 مليوناً يعيش 72٪ منهم فى المدن الكبرى ويبلغ سكان العاصمة باريس 9٫5 مليون، وإذا أضفنا إليهم سكان الضواحى والأطراف تصبح 12 مليوناً، لذلك ليس غريباً أن يكون أكبر التظاهرات فى العاصمة والمدن مثل: ليون، وتولوز، وليل، ومارسيليا.

الاقتصاد الفرنسى هو الثالث أوروبياً من ناحية الدخل القومى، والسادس عالمياً، ويبلغ متوسط دخل الفرد قرابة ثلاثة آلاف يورو شهرياً، ويحصل أصحاب المهن الحرة غير المنتظمة على متوسط دخل يبلغ ألفاً وستمائة يورو شهرياً.

معدل البطالة يصل إلى 10٪ حسب الأرقام الرسمية، وأكثر من ثلثى الذين يعانون من البطالة فى سن الشباب.

من هنا يمكن أن نفهم حالة غضب الشباب من صعوبات الحياة واستنكارهم لفاتورة العلاج المؤلمة التى وضعها لهم ماكرون بعد 18 شهراً من انتخابهم له.

ثورة ذوى «السترات الصفراء» ثورة إلكترونية نمت وكبرت وتحركت على وسائل التواصل الاجتماعى، أرادت أن تقوم باعتراض سلمى مدنى للتعبير عن خيبة أمل.

وهكذا يكرر التاريخ نفسه منذ الثورة الفرنسية إلى ثورة الشباب الفرنسى فى مايو 1968 إلى ثورة الضواحى فى عهد الرئيس جاك شيراك عام 2005 إلى الاعتراضات على إصلاحات «ساركوزى» و«أولاند» إلى النتيجة ذاتها!

النتيجة دائماً هى إسقاط الحل المطروح دون إيجاد حل أو بديل أفضل.

«ارحل».. «أرحل»، دون أن يأتى الأفضل، «الشعب يريد إسقاط النظام»، دون أن يكون هناك تصور لأى نظام يريدونه.

فكرة «اهدم الحالى» دون أن يكون هناك تصميم ومخطط للبناء الجديد الذى نحلم به.

يخرج الشباب إلى الشوارع بعفوية وطهر ونقاء ولكن يندس بينهم من يحرق السيارات ويخرب الممتلكات العامة ويسرق محلات الطعام والمخابز.

لست أعرف ما هو ذلك العمل الثورى الذى يخلع أبواب محلات شانيل وديور ومحلات الآيس كريم وحلوى الشيكولاتة فى شارع الشانزليزيه؟!

تطلب الحكومة من المتظاهرين الحوار، فيردون كما رد شباب المتظاهرين فى التحرير وتونس ودرعا وكييف: «لا توجد لدينا قيادة، ولا يوجد متحدث باسمنا»!

إذن، إذا كان لا يوجد متحدث، ولا يوجد برنامج، ولا سقف زمنى، فما هو المطلوب؟

اقرأوا كتاب «جين شارب»: «كيف تقلب الحكم من الشارع؟»، وسوف تعلمون أن المطلوب هو الفوضى!

نقلا عن الوطن 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا صراع «الثورة» مع «الإصلاح» فرنسا صراع «الثورة» مع «الإصلاح»



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 07:18 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

برونو مارس يُعلن فوزه بـ " جائزة غرامي " لأغنية العام

GMT 19:30 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 08:30 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

سوبارو تكشف عن سيارة جبارة للطرق الوعرة

GMT 13:56 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 03:13 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 01:54 2017 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

بيلا حديد تبرز في ثوب أبيض في شوارع نيويورك

GMT 10:32 2021 الإثنين ,19 تموز / يوليو

ظروف معقدة يستقبل بها اليمنيين عيد الأضحى

GMT 23:55 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الجزيرتان كشفتا عيوبنا

GMT 11:10 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

زوجة تضع المنوّم لزوجها لتتمكن من خيانته مع جارهما

GMT 14:26 2018 الخميس ,08 آذار/ مارس

"جونو "تدور حول كوكب المشتري منذ العام 2016
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen