بقلم : عماد الدين أديب
الدولة أهم من الرئيس، والشعب أهم من الحكومة، والقانون فوق الجميع، والدستور هو القوة العظمى التى تفرض نفسها دون تردد»، هذا هو ما أثبتته أول 24 ساعة عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية. عقب فوز دونالد ترامب بنصف ساعة اتصلت به منافسته هيلارى كلينتون مهنئة. وحينما وقف «ترامب» على المنصة ليعلن فوزه أشاد بـ«هيلارى» وحملتها وجهودها فى المعركة الانتخابية.
حدث ذلك رغم أن «ترامب» و«هيلارى» على المستوى الشخصى لا يطيقان بعضهما البعض، أو كما يقال بالمثل الشعبى «يطيق العمى ولا يطيقهوش»!
وعلى المستوى السياسى يتبنى كل من «ترامب» و«هيلارى» رؤيتين متضادتين تماماً فى كل ملف من الملفات الداخلية والخارجية ولا توجد بينهما نقطة اتفاق واحدة.
كل منهما شخصية ذات صفات مختلفة، ذات تاريخ مختلف، ذات أفكار سياسية مضادة، وينتميان إلى حزبين متناقضين تاريخياً منذ 250 عاماً.
نأتى إلى علاقة الرئيس المنتخب «ترامب» بالرئيس الحالى والمستمر فى مدته الدستورية حتى يوم 20 يناير من العام المقبل!
المعركة بينهما قاسية وشرسة وجارحة!
«ترامب» خاض حملة ضد «أوباما» يتهمه فيها بأنه مواطن لم يولد فى الولايات المتحدة، ولا يحق له أن يترشح للرئاسة، وفتح النار ليل نهار على برنامجه للضمان الصحى، ووصف سياساته الخارجية بالضعيفة والغبية والمخزية بالشكل الذى شجع روسيا و«داعش» وإيران على استضعاف الولايات المتحدة الأمريكية. أما «أوباما» فهو الذى هاجم «ترامب» فى حضوره للحفل السنوى للصحافة فى واشنطن، وظل يسخر من «ترامب» لمدة 15 دقيقة متصلة.
ولا ينسى الجميع أن «أوباما» نزل بنفسه، وبالذات فى الأسابيع الأخيرة، إلى أماكن الدعاية الانتخابية ليروج لهيلارى كلينتون إلى الحد الذى وصفها فيه بأنها أفضل من ترشح للرئاسة فى تاريخ أمريكا، ووصف «ترامب» بأنه غير قادر على ضبط أعصابه على «التويتر»، فلا يمكن أن يوثق فيه وهو يتعامل مع الزر الخاص بإطلاق القنبلة النووية!
إذاً «هيلارى» و«ترامب» لا يطيقان بعضهما البعض، و«أوباما» و«ترامب» بينهما ما صنع الحداد.
ورغم ذلك هنأت «هيلارى» منافسها، وامتدح «ترامب» منافسته، واستقبل أوباما «الرئيس الحالى» دونالد ترامب «الرئيس المنتخب» فى البيت الأبيض.
كان مقدراً للقاء أن يكون بروتوكولياً لمدة 15 دقيقة، إلا أنه كان سياسياً وشفافاً واستمر 90 دقيقة خرج بعدها الرئيسان إلى الصحافة ليعلنا النجاح الكبير لهذا اللقاء.
قال «أوباما» إن الأولوية القصوى لإدارته الآن هى تقديم كل العون والمشورة للإدارة الجديدة لـ«ترامب» لضمان نجاحها ولتحقيق انتقال سلس بين الإدارتين.
وقال «ترامب»: أشكر الرئيس أوباما الذى أقابله لأول مرة فى حياتى فى لقاء منفرد، وأسعى إلى لقاءات أخرى للاستفادة من خبرته.
هذا هو سلوك «رجال الدولة»، وهذا هو سلوك العقلاء الذين ينزعون حالات الثأر الشخصى والعناد الصبيانى التى تصيب بعض الساسة.
مصلحة الدولة تعلو العقد النفسية والرواسب الشخصية فى نفوس أعتى الرجال.
لا خصام فى السياسة!
أرسل تعليقك