حذرنا بالأمس، واليوم نكرر، أن عدوى فوضى السترات الصفراء فى باريس بدأت فى فرنسا وسوف تنتقل بسرعة إلى نقاط عديدة فى عالم مأزوم مالياً، مضطرب سياسياً، قلق نفسياً، غير متوازن طبقياً، غاضب اجتماعياً.
إنه صراع برامج الإصلاح مع قدرة شرائح وطبقات المجتمع على دفع فاتورته وتحمل تبعاته القاسية.
وأزمة ثورة الثوار، أنها تبدأ لأسباب واقعية، ولأغراض بريئة ونبيلة وتنتهى مختطَفة من قبل قوى شريرة متآمرة ذات أغراض تخريبية فوضوية.
وتندلع الشرارة فى تلك الأحداث من جراء رد فعل غاضب من الجماهير تجاه قرار حكومى يؤدى إلى رفع تكاليف الحياة اليومية على أغلب الطبقات الكادحة والمتوسطة.
مثلاً حينما يصدر قرار ما من حكومة ما برفع أسعار المحروقات، أو أسعار سلع الغذاء الأساسية، أو رفع ضريبة القيمة المضافة أو ضرائب الدخل، فإن ذلك يمس وبقوة جيوب هذه الطبقات ويجعل حياتها اليومية أكثر صعوبة إلى حد قد يصل - فى بعض الحالات - إلى الاستحالة.
المعضلة الصعبة فى هذا الجدل وهذه التجربة أن كل طرف - أى الحكومة والمواطنين - على حق.
الحكومة تريد تدبير نفقات الموازنة وتقليل العجز وتحسين الخدمات ورفع معدلات الاستثمار، وهذا يأتى بالدرجة الأولى من تأمين موارد سيادية تأتى من جباية الضرائب والرسوم وتخفيض النفقات العامة وإيقاف ما يعرف بالهدر العام فى الموازنة.
من ناحية أخرى، يقول المواطن إننى أعانى أساساً من سوء الخدمات وارتفاع تكاليف الحياة، وزيادة معدلات التضخم، وعدم توفر فرص العمل، ثم تأتى الحكومة وتزيد الطين بلة حينما تخفض الامتيازات المالية وترفع الضرائب العامة، وتفرض القيمة المضافة على كل سلعة وترفع أسعار السلع الأساسية.
الحكومة تبحث عن موارد بأى شكل، والمواطن يريد أن يعيش بأى ثمن.
والإصلاح مؤلم لكنه ضرورى، والمواطن غير قادر على تحمل المزيد من التضحيات الاجتماعية التى يدفعها من رزقه وحياته.
نأتى إلى الطرف الثالث، وهى القوى المحلية والإقليمية والدولية التى تتربص بأى نظام مخالف لها فى الرأى أو المصالح وتحاول استخدام «ورقة الأوراق» وهى التأليب والتسخين الاجتماعى من الطبقات المتضررة من صعوبة إجراءات الإصلاح واختطاف آلامها وشكواها وتحويلها إلى عمل فوضوى شرير لا يهدف إلى فرض الإصلاح ولكن فرض الفوضى.
ومن هنا علينا أن نتوقع محاولات مستمرة ومستميتة سوف تكثر فى عواصم عربية كثيرة بهدف تسخين الأوضاع الاجتماعية الداخلية واستخدام معاناة الناس، وتحميل مشروعات الإصلاح «ادعاءات كاذبة بأنها مشروعات شريرة من حكومة فاسدة لا قلب لها تريد أن تحصل على فاتورة تمويل ثروات الأغنياء من جيوب الفقراء».
تذكّروا كلامى هذا جيداً، تلك هى اللعبة القذرة المقبلة، ونموذج السترات الصفراء مطلوب تصديره، وبقوة إلى مجتمعاتنا بهدف إحداث الفوضى المنشودة لتدمير مشروع الدولة الوطنية.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك