الثقة بالنفس وتقييم الذات الإيجابي عاملان أساسيان في النجاح الاجتماعي، وهما لا يولدان مع الطفل، بل يحدّدهما أسلوب الأهل التربوي في التعامل معه، الذي غالبًا ما يظهر أثره بوجهيه السلبي أو الإيجابي في المجال الدراسي الذي يهتمّ له الأهل كثيرًا، فهو على صلة وثيقة بمفهوم الأنا الأكاديمية والنجاح المدرسي، وفي الوقت نفسه بالتواصل الاجتماعي وبناء العلاقات خارج إطار العائلة .
فماذا تعني الثقة بالنفس؟ وكيف يمكن جعل الطفل واثقًا بنفسه؟ وهل الثقة بالنفس وراثية؟ عن هذه الأسئلة وغيرها تجيب الاختصاصية في علم النفس التربوي لمى بنداق .
هل الثقة بالنفس وراثية؟
الثقة بالنفس تُكتسب وتتطوّر، فهي لا تولد مع الإنسان، فالأشخاص الذين يتمتعون بالثقة ويسيطرون على قلقهم، ولا يجدون صعوبات في التعامل، والتأقلم في أي زمان أو مكان، هم أناس اكتسبوا ثقتهم من البيئة التي تحيط بهم.
ما هي الثقة بالنفس؟
الثقة بالنفس هي إحساس الطفل بقيمته بين من هم حوله فتُترجم هذه الثقة كل حركة من حركاته، ويقوم بها بشكل طبيعي من دون قلق أو رهبة، لأنه هو من يتحكم في تصرفاته ومشاعره. وبالتالي فالثقة بالنفس نابعة من الذات ويساهم في تعزيزها الأشخاص المحيطون.
وبعكس ذلك، فانعدام الثقة يجعل الطفل يتصرف وكأنه مراقب ممن حوله فتصبح تحركاته وتصرفاته، بل وآراؤه في بعض الأحيان مخالفة لطبيعته، ويصير القلق حليفه الأول في ما يقوم به، فهو لا يثق بمعلوماته مثلاً في الامتحانات، ويتردّد في المشاركة في النشاطات الرياضية التي تتطلب منافسة. باختصار، الثقة بالنفس هي إيمان الإنسان بقدراته، وإمكاناته، وأهدافه، وقراراته، أي الإيمان بذاته.
ما هي أسباب ضعف الثقة بالنفس؟
هناك أسباب كثيرة، منها :
1 تهويل الأمور والمواقف بحيث يشعر الطفل بأن من حوله يركزون على ضعفه، ويراقبون كل حركة يقوم بها.
2 الفشل في الدراسة وتلقي بعض الانتقادات الحادة من الوالدين أو المعلمين بشكل مؤذٍ أو جارح.
3التعرّض لموقف محرج أو التوبيخ الحاد أو الانتقاد اللاذع أمام الآخرين أو المقارنة بينه وبين أقرانه.
4 نظرة الأهل السلبية، وعدم جعل الطفل يتولى مسؤولية أموره الشخصية، أو عدم اعطائه الفرصة لإثبات ذاته.
ما أهم الخطوات لتعزيز ثقة الطفل بنفسه؟
أول خطوة على الأهل القيام بها هي مراقبة أفعاله وملاحظة تصرفاته السلبية. فلكي تتعزز ثقة الطفل بنفسه، عليه أن يعرف نقاط القوة والضعف عنده وتقبّلها.
1 المديح الذي يمنح الشعور الجيد
ليس جمال الطفل هو الذي يعزّز عنده شعوره بالثقة. بل يتعلّق ذلك بالأسلوب التربوي الذي ينشأ عليه. فتعليم الطفل أسس النظافة والمحافظة على صحة جيّدة، يدفعه إلى احترام جسمه والاعتناء به. وكذلك يتمكن من معرفة قدراته الجسدية ويضع حدودًا لها.
ولكي يعزز الأهل ثقة الطفل بنفسه، والاعتداد بها، يمكنهم مدحه على تسريحة شعره أو على أناقة هندامه، وأن يعرضوا عليه الملابس اللائقة. فالمديح مهم جدًا بالنسبة إلى الطفل. كما على الأهل أن يجعلوه يشعر بأن جسمه سليم وصحي، فمثلاً إذا كانت قامة الطفل قصيرة نسبة إلى أترابه، لا يجوز أن يعلّقوا على هذا الأمر لأنه يفقده ثقته بنفسه.
2 تعليمه الاستقلالية
يستوجب اتكال الطفل على نفسه معرفة تقييم قدراته. وتسمح له التجربة بمعرفة نقاط قوته ونقاط ضعفه، فالطفل الذي يعرف كيف يعتمد على نفسه، لا يحاول التشبّه بالآخرين، أو تقليدهم في كل ما يفعلون.
ومن الأفضل للأهل أن يجنّبوه القيام برد فعل بسبب الخوف من العقاب أو التأنيب. فإذا أراد الأهل أن يكون ابنهم صادقًا وأمينًا ومسؤولاً عن أفعاله، عليهم ألا يعاقبوه إذا باح لهم بفعل سيئ قام به، أو خطأ ارتكبه. فتصرف الأهل على هذا النحو هو تصرف بنّاء يعلّم الطفل ألا يخاف أو يحمل همًا لا فائدة منه.
3 الاختيار وتقدير الأمور
لا ينتظر الطفل الواثق بنفسه أن يقرّر أهله عنه. فهو يتصرف من تلقاء نفسه. ولكي يعزّز الأهل هذه الاستقلالية، من الجيد منحه فرصة الاختيار تبعًا للسن التي هو فيها. ويتطلب ذلك أن يعلم الطفل من والديه الأمور المتاحة له والنتائج المترتّبة عنها.
مثلاً إذا أراد أن ينام متأخرًا لأنه يود إنهاء قراءة القصة، يمكنهم الموافقة على طلبه، ولكن في الوقت نفسه عليهم أن يعلموه أنه سيشعر بالتعب غدًا صباحًا، لأن عليه أن يستيقظ في الساعة المعتادة، فالطفل الذي تتاح له فرصة الاختيار يكون مسؤولاً عن نتائجه أكثر من الطفل الذي تُفرض عليه الأمور.
4 عدم الإملاء عليه تصرفاته
لا يجدر بالأهل أن يؤثروا في قرارات طفلهم أو تصرفاته إلا في الأمور المهمة. والطريقة المثلى هي التحدث إليه ومناقشته ومن ثم تركه يأخذ القرار بنفسه، وبالطبع وفق عمره. مثلاً تركه يختار رفاقه، أو تنظيم واجباته المدرسية أو اختيار وجبته الغذائية، أو اختيار موضوع بحثه المدرسي، وإذا لم تستحسن الأم اختياره، يمكنها أن تقول له مثلاً: «ليس هذا هو الاختيار الذي أرغب فيه، ولكنك إذا وجدته الأمثل بعدما فكرت جيدًا، فلا مانع عندي».
ما الفرق بين الثقة بالنفس وتقييم الذات؟
الثقة بالنفس هي ثقة الطفل بقدراته الذاتية، لأنه يعرفها جيّدًا، بينما تقييم الذات هو الصورة التي يكونها عن ذاته، وما إذا كان راضيًا عنها أم لا. فإذا كان تقييمه لذاته سلبيًا، فإنه يحتقرها ويكرهها مما يعرّضه لمشكلات نفسية سلوكية، فيما إذا كانت الصورة التي كونها عن ذاته إيجابية، فإنه يشعر بالاعتداد والرضا عن نفسه.
ما هي أفضل طريقة لمساعدة الطفل على تكوين صورة إيجابية عن نفسه؟
أفضل طريقة لمساعدة الطفل على تحقيق صورة إيجابية عن نفسه هي إشعاره بأنه طفل محبوب من الجميع . ويمكن الأم المساهمة في هذا الشعور بطرق مختلفة :
الإشارة إلى عادته الجديدة الإيجابية بتعليقات إيجابية. فهذا يجعله فخورًا بنفسه أكثر من فخره بالنجاح الذي حققه في المدرسة.
تشجيعه على مواجهة المواقف الجديدة أو المقلقة. وفي المقابل، يجب مرافقته كي لا يشعر بالإرهاق. إضافة إلى ذلك، على الأم التأكد من وضعه في مواقف تدرك مسبقًا أنه على الأرجح سينجح في اختبارها.
التعامل معه باحترام. هذه هي واحدة من أفضل الطرق لتعليم طفلك احترام ذاته، واحترام الآخرين. لذا من المهم جدًا أن يبدي الأهل الاهتمام بما يقوله الطفل من طريق الاستماع الجيد وأخذ حديثه بجدية. فإذا كانت الأم لا تتفق معه أو لا تحب ما يفعله، عليها التعليق باستعمال العبارات التي تبدأ بـ «أشعر ...» «لدي انطباع...» «أعتقد ذلك ... ». وذلك كي لا يشعر بأنها توجه إليه انتقادًا، وعليها تجنب بدء تعليقها بـ«أنت...».
تعليم الطفل الشعور بالفخر بنقاط قوّته. ولكن في الوقت نفسه عليه أن يدرك أن الشعور بالفخر بموهبته وتفوّقه لا يعني الشعور بالفوقية.
تعليمه أن الجميع معرّضون لارتكاب الأخطاء. وبالتالي الاعتراف بالخطأ فضيلة. فإذا أخطأ، على الأم أن تشرح له أين سبّب خطأه مشكلة ولكن ليس أكثر، وبالتالي عليها تجنب توبيخه وإذلاله بسبب الخطأ الذي ارتكبه، وبذلك تسمح له بالمحافظة على احترام الذات والثقة اللازمة لتحقيق النجاح في الحياة. لا تأتي الثقة بالنفس من كونك دائماً على حق، بل من خلال كونك غير خائف من أن تكون على خطأ.
أن تكون توقعات الوالدين مناسبة لسن ابنهما. على الأهل ألا يضعوا أهدافًا تفوق قدرات طفلهم، بحجة أنهم يدفعونه لتطوير قدراته، فيما يشعر هو بالعجز عن تنفيذها، وفي الوقت نفسه لا يجوز وضع أهداف دون مستوى قدراته، لأنه سوف يشعر بأنه ضعيف... وإلا لمَ وضع والده أهدافًا بسيطة.
سلوكيات على الأهل تجنّبها
تشير الدراسات إلى أن الآباء يُفقدون أطفالهم احترامهم لذواتهم في الحالات التالية:
عندما يسخرون من طفلهم الصغير. مثلاً عندما يضحكون على خوفه من القطة.
انتقاده بشكل لاذع ومعاقبته لأنه لم يتمكن من انجاز مسألة ما.
يتوقعون أن يكون مثاليًا أو ينجح باستمرار.
إظهار عدم الاهتمام بما يقوم به، وإشعاره بأنه مهمل.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر