يبدو مشهد التوأمين وهما يسيران جنبًا إلى جنب أمرًا لطيفًا، فهما ليسا شقيقين عاديين، بل أخوان أمضيا معًا 9 أشهر في رحم أمهما تشاطرا خلالها كل الأحاسيس الجميلة التي كانت تشعر بها وتعرّفا إلى بعضهما قبل أن تفعل هي .
وعندما وُلدا بدأت رحلة حياتهما معًا، ينظران حولهما يستكشفان كل ما يحيطهما، ويحاولان لمس الأشياء، ويتبادلان المناغاة، ويبدآن خطواتهما الأولى معًا ... رغم هذه الصورة الجميلة، لا تخلو تنشئة التوائم من صعاب تواجهها الأم .
فما النصائح التي يسديها الاختصاصيون إلى الأم الحامل بتوأمين؟ وكيف يجب التعامل معهما لينشأ كل واحد منهما بشخصية مستقلة؟
نصائح قبل الولادة
بداية، ينصح الاختصاصيون الأم الحامل بالتحدث مع أمهات مررن بتجربة إنجاب توأمين، ليخبرنها عن الأخطاء التي ارتكبنها، وعن الأمور الصحيحة التي قمن بها.
إضافة إلى ضرورة استشارة طبيبها النسائي الذي أصبحت لديه خبرة كافية في هذا الموضوع، فهو من خلال خبرته يمكنه إسداء النصائح المتعلقة بالأمور النفسية.
أما النصيحة الأساسية التي يسديها الاختصاصيون قبل ولادة التوأمين فهي، عدم اختيار اسمين متقاربين من حيث الصوت والإيقاع والأحرف، مثل هادي وشادي، فهذا النوع من الأسماء يؤدي إلى التباس أثناء مناداة أحدهما . لذا من الضروري اختيار اسمين مختلفين تمامًا، مثلاً رامي وأحمد . فمناداة أحدهما باسم الآخر، وكثيرًا ما يحدث هذا الأمر عند زيارة الأقارب، قد يجعل أحد التوأمين يظن أن الآخر محبوب أو مفضّل عند الآخرين .
بعد الولادة
لا يجوز أن يضع الأهل التوأمين في الخانة نفسها، بل من الضروري التفريق بينهما منذ لحظة الولادة، وأن يكون التواصل بين الأم والتوأمين في شكل مستقل، أي أن تدرك الأم أن لكل واحد منهما شخصيته الفريدة.
مثلاً حين تُرضع أحدهما، عليها أن تتواصل فقط مع طفلها الذي بين أحضانها، وتتجنب التفكير بالشقيق التوأم، فلا تقول مثلاً بعد خمس دقائق سوف أُرضع أحمد. صحيح أن هذا صعب على الأم، لكن عليها التعوّد على الأمر منذ اللحظة الأولى للولادة، فهي إذا شرعت في التفكير على هذا النحو فستسهّل على نفسها طريقة التعامل مع التوأمين في المستقبل. لذا عليها أن تضع كل طاقاتها وتفكيرها في الطفل الذي أمامها. فالرضيع يحس بكل ما تشعر به والدته.
تجنب حوار المثنى
من الملاحظ أن حوار الأهل مع التوأمين يكون بلغة خطاب المثنى «أنتما» بدل «أنت». لذا على الأهل أن يحاولوا توجيه الحديث إلى كل واحد منهما منفردًا، فبدل أن تقول الأم «ما أروعكما أيها التوأمان»، عليها أن تخاطب كل واحد منهما بلهجة منفردة كأن تقول «كم أنت جميل يا طفلي». فلكي ينمو التوأمان في شكل سليم، يحتاج كل واحد منهما إلى الشعور بأنه طفل فريد في نظر والديه.
تمضية الوقت مع أطفال آخرين
تفرح الأم عندما ترى طفليها التوأمين منسجمين يلعبان مع بعضهما ويتناولان الطعام معاً ويأويان إلى الفراش في اللحظة ذاتها، أي أنهما يقومان بكل الأمور معًا، في حين ينبّه الاختصاصيون الأهل من هذا الأسلوب في التربية، لأنه قد يؤدي إلى عزلة التوأمين عن المجتمع. فهما يشعران بأنهما ليسا في حاجة إلى اللعب مع أطفال آخرين، الأمر الذي يؤخر قدرتهما على اكتساب المهارات الاجتماعية، والتعامل أو التواصل مع أقرانهما في شكل سليم.
لذا على الأم أن تدعو أطفالاً آخرين للعب معهما، كأن تدعو ابن أختها ليلعب مع أحمد، وابن الجيران ليلعب مع رامي. فهي بذلك تمهّد لهما الطريق ليكون لكل واحد منهما شخصيته المستقلة، وتوفّر على نفسها مشكلة انفصالهما التي ستواجهها حين يدخلان الحضانة أو المدرسة.
لكل توأم ركنه الخاص
ليس هناك من مانع أن ينام التوأمان في الغرفة نفسها، شرط أن يكون لكل واحد منهما ركنه الخاص . فإذا لم يكن في مقدور الأهل أن يجعلوا لكل واحد منهما غرفة خاصة، ففي إمكانهم أن يلجأوا إلى حيل في ديكور الغرفة كأن يكون مثلاً لون غطاء السرير مختلفًا، أو لكل واحد منهما صندوق خاص يضع فيه ألعابه... فبهذه الطريقة يكون لكل واحد منهما ركنه الخاص المختلف عن الآخر.
ملبس ومظهر مميّزان
من الضروري أن تتجنب الأم شراء الملابس نفسها للتوأمين، ولا يقتصر ذلك على الألوان فقط، بل يشمل الأسلوب أيضًا . فقد يبدو ارتداء التوأمين الملابس نفسها ظريفًا، خصوصًا عندما يلتبس الأمر على الأقارب فينادون أحدهما باسم الآخر، وقد يجد التوأمان في الأمر طرافة، ولكن هذا الالتباس قد يؤثر سلبًا في استقلاليتهما. لذا من الضروري أن تختار الأم الملابس المختلفة في الشكل واللون، كما يجدر التنبه إلى تسريحة الشعر التي يجب أن تكون مختلفة، مما يساعد المحيطين والأقارب في التمييز بينهما.
انفصال في الحضانة والمدرسة
من الضروري فصل التوأمين عن بعضهما بعضًا في الحضانة وفي المدرسة . لذا يجدر بالأم أن تطلب من الحادقة أن تضمهما إلى مجموعتين مختلفتين، وفي المدرسة يجب أن ينتسب كل واحد منهما إلى صف مختلف. فيكون لكل واحد منهما معلّمته وأصدقاؤه مما يعزز استقلالية كل واحد منهما، ويطوّر مهاراتهما الاجتماعية. وقد يبدي التوأمان استياءهما وحزنهما من هذا الانفصال، مما يشعر الأهل بالذنب. لذا عليهم أن يفكروا بعقلانية ويدركوا أن هذا الانفصال لمصلحتهما.
وينبّه الاختصاصيون إلى أنه لا يجوز أن يكون الفصل مفاجئًا لئلا يظن التوأمان أن الحضانة أو المدرسة هي السبب في كرههما لها، بل يجب أن يكونا قد استعدا للأمر قبل ذلك، كما ذكر سابقًا، أي أن تكون الأم قد عززت لديهما التواصل مع الآخرين من خلال دعوة أقران يلعبان معهما وفي شكل مستقل .
لكل واحد منهما نشاطاته اللاصفية الخاصة من المفيد أن يقوم التوأمان بنشاطات لا صفية منفصلة كالموسيقى أو الرسم أو الرياضة... فالفصل في النشاطات يجعل الأقران والمدربين يتعاملون معهما على أساس أنهما كيانان مستقلان وليس أحدهما مكملاً للآخر.
معرفة رغبة كل واحد منهما
يسيطر على تفكير معظم الأهل الذين لديهم توأمان هاجس المساواة المطلقة بينهما، وذلك خشية أن يشعر أحدهما بأن أهله يحبون شقيقه أكثر منه.
في حين أن هذه المساواة يجدها التوأمان غير عادلة، فإذا كان رامي مثلاً يود الذهاب إلى المسبح، لا يعني أن أحمد يريد ذلك. لذا من الضروري أن يعرف الأهل رغبة كل واحد منهما. فإذا أرادت الأم مثلاً شراء ألعاب لهما، من المفضّل أن تصحب أحدهما إلى السوق ليختار لعبته، وفي اليوم التالي تصحب الآخر.
نتحدث دائمًا عن العلاقة التكاملية بين التوائم ... هل هناك أيضًا منافسة؟
نعم، ولكن لا يجدر بالأهل التدخل فورًا عندما يسيطر أحد التوأمين على الآخر . في الواقع، يمكن حل المشكلة من طريق القيام بأنشطة مختلفة مع كل واحد، وإحداث فجوة بحيث لا يكونا متلاصقين ببعضهما بعضًا. ولكن من المهم ألا يشعر الآباء بأنهم عالقون في مبدأ المساواة.
فمن الطبيعي أن هناك أوقاتًا يفضل فيها الأهل قليلاً طفلاً على آخر. لذا عليهم ألا يشعروا بالذنب. ويشدّد الاختصاصيون على ضرورة التعامل مع التوأمين كشخصيتين مستقلتين، فالتعامل معهما على أنهما شخص واحد يؤثر سلبًا في علاقتهما مع بعضهما ومع الآخرين.
كيف يمكن مساعدة التوائم على الاندماج مع إخوتهما الآخرين؟
من المعلوم أن التوأمين يكونان قريبين جدًا من بعضهما، فهما يفضلان اللعب معًا والقيام بالكثير من الأمور مع بعضهما، وقد لا يشاركان إخوتهما اللعب أو نشاطات أخرى، وفي المقابل على الأهل أن يكونوا حذرين جدًا، في تعاملهم معهما، ومع بقية أشقائهما، فقد يحدث أن يغار الأبناء الأكبر منهما لأن أهلهم يولونهما كل اهتمامهم، ويمضون وقتًا أطول معهما . في حين عليهم أن يعززوا روح الأخوّة بينهما وبين بقية إخوتهما وألا يعيشا في خلية مغلقة، وكأنهما من عالم مختلف، بل على الأهل ابتكار كل النشاطات التي تعزّز العلاقة التكاملية بين الإخوة والأخوات، بل يمكن الإخوة أن يساعدوا في استقلالية أحدهما عن الآخر، من خلال اللعب والقيام بنشاطات مختلفة.
ماذا عن التوأمين من جنسين مختلفين؟
هما يشعران بالعلاقة التكاملية نفسها، ولكن الذي يحدث أن الأهل والآخرين يدركون التمييز بينهما ويتعاملون معهما تلقائيًا على أساس أنهما طفلان لكل واحد شخصيته، ولا يواجهان مسألة الخلط بينهما في المدرسة أو في البيت. كما أن الأم تتعامل معهما على أساس اختلافهما، فلكل واحد منهما الأزياء المختلفة والألعاب المختلفة... وهذا يعزز استقلاليتهما عن بعضهما.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر